سورة غافر - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (غافر)


        


{وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20)}
{والله يَقْضِى بالحق} أي والذي هذه صفاته يقضي قضاءً ملتبسًا بالحق لا بالباطل لاستغنائه سبحانه عن الظلم، وتقديم المسند إليه للتقوى، وجوز أن يكون للحصر وفائدة العدول عن المضمر إلى المظهر والإتيان بالاسم الجامع عقيب ذكر الأوصاف ما أشير إليه من إرادة الموصوف بتلك الصفات.
{والذين يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَقْضُونَ بِشَىْء} تهكم بآلهتهم لأن الجماد لا يقال فيه يقضي أو لا يقضي، وجعله بعضهم من باب المشاكلة وأصله لا يقدرون على شيء، واختير الأول قيل لأن التهكم أبلغ لأنه ليس المقصود الاستدلال على عدم صلاحيتهم للإلهية.
وقرأ أبو جعفر. وشيبة. ونافع بخلاف عنه. وهشام {تَدْعُونَ} بتاء الخطاب على الالتفات، وجوز أن يكون على إضمار قل فلا يكون التفاتًا وإن عبر عنه بالغيبة قبله لأنه ليس على خلاف مقتضى الظاهر إذ هو ابتداء كلام مبني على خطابهم {إِنَّ الله هُوَ السميع البصير} تقرير لعلمه تعالى بخائنة الأعين وما تخفي الصدور وقضاؤه سبحانه بالحق ووعيد لهم على ما يقولون ويفعلون وتعريض بحال ما يدعون من دونه عز وجل، وفيه إشارة إلى أن القاضي ينبغي أن يكون سميعًا بصيرًا.


{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (21)}
{أَوَ لَمْ يَسِيروُاْ فِى الارض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ} أي مآل حال الذين كذبوا الرسل عليهم السلام قبلهم كعاد. وثمود، و{يَنظُرُواْ} مجزوم على أنه معطوف على {يَسِيرُواْ}، وجوز أبو حيان كونه منصوبًا في جواب النفي كما في قوله: {الم تُسْئَلُ} وتعقب بأنه لا يصح تقديره بأن لم يسيروا ينظروا. وأجيب بأن الاستفهام إنكاري وهو في معنى النفي فيكون جواب نفي النفي {مِن قَبْلِهِمْ كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} قدرة وتمكنًا من التصرفات، والضمير المنفصل تأكيد للمضير المتصل قبله، وجوز كونه ضمير فصل ولا يتعين وقوعه بين معرفتين فقد أجاز الجرجاني وقوع المضارع بعده كما في قوله تعالى: {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِىء وَيُعِيدُ} [البروج: 13] نعم الأصل الأكثر فيه ذلك، على أن أفعل التفضيل الواقع بعده من الداخلة على المفضل عليه مضارع للمعرفة لفظًا في عدم دخول أل عليه ومعنى لأن المراد به الأفضل باعتبار أفضلية معينة.
وجملة {كَانُواْ} إلخ مستأنفة في جواب كيف صارت أمورهم. وقرأ ابن عامر {مّنكُمْ} بضمير الخطاب على الالتفات.
{وَءاثَارًا فِى الارض} عطف على قوة أي وأشد آثارًا في الأرض مثل القلاع المحكمة والمدائن الحصينة، وقد حكى الله تعالى عن قوم منهم أنهم كانوا ينحتون من الجبال بيوتًا.
وجوز كونه عطفًا على {أَشَدَّ} بتقدير محذوف أي وأكثر آثارًا فتشمل الآثار القوية وغيرها، وهو ارتكاب خلاف المتبادر من غير حاجة يعتد بها، وقيل: المراد بهذه الآثار آثار أقدامهم في الأرض لعظم أجرامهم وليس بشيء أصلًا {فَأَخَذَهُمُ الله بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مّنَ الله مِن وَاقٍ} أي وليس لهم واق من الله تعالى يقيهم ويمنع عنهم عذابه تعالى أبدًا، فكان للاستمرار والمراد استمرار النفي لا نفي الاستمرار، ومن الثانية زائدة ومن الأولى متعلقة بواق، وقدم الجار والمجرور للاهتمام والفاصلة لأن اسم الله تعالى قيل: لم يقع مقطعًا للفواصل. وجوز أن تكون من الأولى للبدلية أي ما كان لهم بدلًا من المتصف بصفات الكمال واق وأريد بذلك شركاؤهم، وأن تكون ابتدائية تنبيهًا على أن الأخذ في غاية العنف لأنه إذا لم يبتدىء من جهته سبحانه واقية لم يكن لهم باقية.


{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (22)}
{ذلك} الأخذ {بِأَنَّهُمْ} أي بسبب أنهم {كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بالبينات} بالمعجزات والأحكام الواضحة {فَكَفَرُواْ} ريثما أتتهم رسلهم بذلك {فَأَخَذَهُمُ الله إِنَّهُ قَوِىٌّ} متمكن مما يريده عز وجل غاية التمكن {شَدِيدُ العقاب} لا يعتد بعقاب عند عقابه سبحانه، وهذا بيان للإجمال في قوله تعالى: {فَأَخَذَهُمُ الله بِذُنُوبِهِمْ} [غافر: 21] إن كانت الباء هناك سببية وبيان لسبب الأخذ إن كانت للملابسة أي أخذهم ملابسين لذنوبهم غير تائبين عنها فتأمل.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10